منهاج الأصول - ج ٣

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٣

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٨

المظنونات والمشكوكات ودعوى لزوم الحرج بضم المشكوكات الى المظنونات خلاف

__________________

واقعه مع الغفلة عن غيرها مضافا الى ان الشك لما كان بنحو الكلية فيكون في جميع الأطراف فعليا فيجري الاستصحاب في جميع الأطراف ومع جريانه في الجميع يوجب العلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها وذلك مانع من الجريان في جميع الأطراف

الثالثة ـ ان ضم الاصول المثبتة الى القطعيات موجب لانحلال العلم الاجمالي ، ولكن لا يخفى ان الاصول المثبتة وان اوجبت انحلال العلم الاجمالي بوجود تكاليف في الشريعة إلا انه لا يوجب انحلال العلم الاجمالي بوجود امارات دالة على الأحكام الواقعية لعدم كونها بقدرها حتى توجب الانحلال. وأما الكلام في الاحتياط فقد عرفت ان له مراتب ثلاثة :

فمرتبة توجب اختلال النظام ولا اشكال في عدم اتباعها. ومرتبة توجب العسر والحرج ولا يخفى ان ادلة العسر والحرج حاكمة على الموضوعات الواقعية ، والحكومة تارة تكون بلفظ التفسير ، واخرى تكون بنحو التخصيص والتقييد ، وثالثة تكون بنحو التعرض لشرح اللفظ بلسان رفع الموضوع كمثل لا شك لكثير الشك. ومن الواضح حكومة ما كان من قبيل الثالث على الدليل الواقعي والمقام من هذا القبيل إلا انه استشكل في حكومة ادلة الحرج والعسر على الاحتياط وحاصله أن المستفاد من ادلة لا حرج والعسر حكومتها على الأدلة لواقعية بمعنى ان الحكم الواقعي ان كان حرجيا فهو مرخص في فعله فالحكم الواقعي في المقام ليس حرجيا والاحتياط وان كان حرجيا إلا أنه ليس من الأحكام الواقعية ولكن لا يخفى ان الحكم الواقعي في المقام نفسه وان لم يكن حرجيا وضرريا ولكن على تقدير المصادفة يكون الحكم الواقعي منجزا وحيث لا يعلم في أي

٢٨١

الأنصاف لقلة المشكوكات لكون الغالب أما الظن بالوجوب أو بالعدم اللهم إلا أن يقوم اجماع على ترك العمل بالمشكوكات ولكن الانصاف أن دعوى قيام الاجماع على ترك العمل فيها مشكل وان كان تحققه مظنونا بالظن القوي ولكنه لا ينفع ما لم ينته الى حد العلم ثم ان الشيخ الأنصاري قدس‌سره ذكر اعتراضا ما لفظه.

ان قلت : اذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها الى ما يقتضيه الأصل الجاري في ذلك المورد فتصير الاصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلف وكفاية الرجوع الى الاصول وسيجيء انه

__________________

طرف من اطراف العلم الاجمالي ، فالعقل يحكم بالاتيان بجميع أطرافه ومع فرض كون الاتيان بها حرجيا او ضرريا فيرتفع تنجزه بمقدار ما يرتفع به الحرج فيثبت له التكليف المتوسط ويكون حال هذا التكليف المنجز على تقدير المصادفة حال الاضطرار الى واحد لا بعينه مع مصادفة التكليف الواقعي في ضمنه بناء على ما هو الحق من عدم الفرق بين الاضطرار الى واحد بعينه والاضطرار الى واحد لا بعينه مضافا الى ان ادلة الحرج والضرر حاكمة على الحكم العقلي والاحتياط لما كان الحاكم به العقل من جهة عدم المؤمن ، فلو حصل المؤمن يكون حاكما عليه وعلى تقدير حكومته فليس إلا بمقدار ما يحصل به رفع الحرج والضرر لا رفع ما لا يكون حرجيا وضرريا ، ومن الواضح ان طرح الكل ليس حرجيا فلذا لا يرفع وإنما يرفع ما به يكون حرجيا وضرريا فحينئذ يثبت التكليف المتوسط والاتيان بما ليس بحرج ولا ضرر فلا تغفل.

٢٨٢

لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع وبين الظن المتعلق بكون الشيء طريقا الى الواقع وكون العمل به مجزيا عن الواقع وبدلا عنه ولو تخلف عن الواقع وأجاب عن هذا الاعتراض بجوابين :

أحدهما : في متن الكتاب والآخر في الحاشية ، اما الذي في المتن فملخصه ان الظن بالطريق إنما يكون كالظن بالواقع إذا كان الظن حرجيا في مقام اثبات التكليف لا فيما إذا كان في مقام اسقاط التكليف كما هو في مقامنا فانه قد تنجز بالعلم الاجمالي فيكون الظن مسقطا لا مرجعا.

واما المذكور في الحاشية كما هو الأصح بحسب النسخة ما لفظه :

«قلت مرجع الاجماع قطعيا كان أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات الى الاصول هو الاجماع على وجود الحجة الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتى تكون المسائل الخالية عنها موارد للاصول ومرجع هذا الى دعوى الاجماع على حجية الظن بعد الانسداد». انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه (١).

__________________

(١) قال الشيخ الانصاري قدس‌سره : (اللهم الا يدعي قيام الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات .... الخ) وحاصله ان معنى انعقاد الاجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات هو ان الشارع لا يريد إلا الامتثال الاحتمالي ومرجعه الى ان الشارع لا يريد الاطاعة العلمية ولكن الانصاف ان مثل دعوى هذا الاجماع مشكل والظن بتحققه لا يفيد ثم اعترض (قده) على نفسه بما حاصله بأن الظن بمثل هذا الاجماع يستلزم الظن بجريان الاصول في الموارد المشكوكة فتصير الاصول مظنونة الاعتبار. وسيجىء الكلام في اعتبار مظنون الاعتبار نعم لا فرق

٢٨٣

ولا يخفى أن جوابه ناظر الى كون العلم ساقطا عن المنجزية فيكون الظن مثبتا للتكليف خلاف الجواب المذكور في المتن فانه ناظر الى ان المنجزية في العلم

__________________

في كون نتيجة دليل الانسداد الظن بالواقع لا الظن بالطريق. ثم اجاب في المتن بعبارات عديدة مختلفة وحاصلها انا نتكلم في مقدمات دليل الانسداد فادخال النتيجة فيها موجب للزوم الدور وبيانه واضح وقد اورد الاستاذ النائيني قدس‌سره على ما ذكره الشيخ بايرادين :

الاول ـ ان الاجماع الظني يوجب الظن بقيام الاصول فتكون الاصول مظنونة الاعتبار وهي اما ان تكون نافية ، فالنفي يصير مظنون الاعتبار واثبات التكليف يكون موهوما فيلحق بالموهومات وان كانت مثبتة للتكليف فيكون التكليف مظنونا فيلحق بالمظنونات ، واما المشكوكات فأما ان تلحق بالمظنونات او بالموهومات.

الثانى ـ ان ادلة الاصول ان كانت ظنية فيرفع اليد عنها بالظن وان كانت قطعية كما هو المفروض فلا يخلو الحال فيها اما ان تكون قطعية كالبراءة العقلية ، او بالغة حد التواتر المفيد للقطع العادي فحينئذ لا يرفع اليد عنها إلا بالقطع ، فالاصول الجارية في المشكوكات يوجب رفع اليد عنها بلحاظ العلم الاجمالي بالتكليف ولكن لما قام الاجماع الظني على جريان الاصول فلازمه جريانها وان كان سقوطها مع قيام الاجماع الظني احتماليا إلّا ان هذا الاحتمال لا يضر بجريان الاصول ولأجل هذين الأمرين اسقط سيدنا الاستاذ ما في المتن من العبارات المختلفة وذكر في حاشية الكتاب (مرجع الاجماع قطعيا او ظنيا ... الخ) بعد عرض ذلك على استاذه وامضاءه لما اراده في الحاشية. وحاصل ذلك تعرضه لشيئين :

احدهما ـ اختيار ان نتيجة دليل الانسداد هي الكشف لا الحكومة

٢٨٤

وكونه مسقطا للتكليف لا مثبتا له وكيف كان فتوضيح كلامه (قده) يحتاج الى معرفة الفرق بين كون ثبوت الترخيص في المشكوكات بمناط العسر والحرج او بمناط قيام الاجماع على الترخيص فان كان بمناط الاول أى العسر والحرج فيشكل دعوى انحصار منجزية العلم لأن مقتضى المنجزية أن يكون التكليف فعليا على أي تقدير من أطراف العلم الاجمالي والمقام ليس من ذاك القبيل إذ التكليف بالنسبة الى المظنونات فعلي وبالنسبة الى المشكوكات مشروط بعصيان ذلك التكليف فلا يكون العلم منجزا سواء قلنا بأن العلم علة تامة للتنجز أو قلنا بأنه مقتض.

واما اذا كان بمناط الثاني بأن يكون الترخيص بمناط الاجماع أيضا لا يمكن مجيء الترخيص بهذا المناط ولكن ليس على الاطلاق بل إذا كان العلم علة تامة ، وأما إذا كان مقتضيا فيمكن مجيء الترخيص إذ معنى كونه مقتضيا هو كونه قابلا لمنع المانع ، ومع قيام الاجماع على أحد الأطراف فيتحقق الترخيص بمناط الاجماع ، وأما بناء على العلية فلا يعقل مجيء الترخيص إلا

__________________

لما عرفت من ان قيام الاجماع بذلك المعنى يستلزم جعلا من الشارع وليس شيء قابلا للجعل في المقام سوى جعل الظن حجة.

وثانيهما : ان الاجماع ولو كان ظنيا يوجب كون الاصول مظنونة الاعتبار فان كانت مثبتة للتكاليف فتلحق بمظنونات الاعتبار وان كانت نافية تلحق اثبات التكليف بالموهومات فلا معنى لجعل المشكوكات في قبال المظنونات والموهومات وسيأتي زيادة توضيح في الحاشية الاخرى. فافهم وتأمل.

٢٨٥

إذا كان العلم الاجمالي منحلا ، اما بقيام حجة على تعيين المعلوم بالاجمال أو بقيام امارة مثبتة للتكليف المعبر عنه بجعل البدل ، فاذا حصل أحد هذين الامرين فيجوز الترخيص. فالترخيص إنما ينشأ بعد حصول هذين الامرين ومعلولا لاحدهما ولا يحصل ما لم يحصل أحدهما ولا يوجد قبل وجود أحدهما.

اذا عرفت ذلك فنقول اتضح لك انه لا يعقل التوصل من العلم بالترخيص الى العلم بالحجة بتعيين المعلوم بالاجمال أو جعل البدل لان العلم بالترخيص متأخر عن الترخيص والترخيص متأخر عن العلم بالحجة أو العلم بالبدل تأخر المعلول عن العلة ، فاذا كان العلم بالترخيص متأخرا عن العلم بالحجة أو البدل بمرتبتين فكيف يستكشف من العلم بالترخيص العلم بالحجة أو جعل البدل ، فان قلت لنا أن نستكشف بطريق ال (إن) ولا ينافي تأخره رتبة قلت : طريق ال (إن) انما يستكشف اذا لم يكن العلم الاول علة للعلم الثاني ، وأما اذا كان علة فلا يستكشف ، وإلا فلا يلزم وجود المعلول قبل وجود العلة.

فظهر مما ذكرنا ان قيام الاجماع على الترخيص لا يتأتى بناء على كون العلم الاجمالى علة تامة لانه انما يتحقق بعد العلم بالانحلال أو جعل البدل على انه يشكل بأنه لو علمنا بوجود الحجة وعيناها في الظنون من قيام الاجماع على الترخيص فقد انحل العلم الاجمالي من جهة جعل البدل ولكن كان الاخذ بالحجة هو قيام الاجماع ولم يكن ثابتا من دليل الانسداد والمفروض من عقد هذا الدليل. اثبات جعل البدل منه لا من غيره وإلا يكون الباب منفتحا لا منسدا مع ان الفرض انسداده كما لا يخفى.

٢٨٦

وأما بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجيء الترخيص إلا انه لا بد من ثبوته بالعلم لا بالظن واليه ترجع عبارة الشيخ قدس‌سره لكنه لم ينفع ما لم ينته الى حد العلم ولا يبعد كون اعتراضه على نفسه مبنيا على كون العلم الاجمالي مقتضيا اذ بناء على كونه علة تامة لا وجه لاعتراضه عليه ولقد أجاد في الجواب المذكور في المتن بما ملخصه ان العلم لما كان مقتضيا للتنجز لا يكون له مانع من كونه منجزا الا بمجيء مانع يمنع اقتضاؤه ولم يكن قيام الدليل على اعتبار الظن مانعا من اقتضائه وكون الظن بالواقع والظن بالطريق على السوية إنما هو من حيث اثبات التكليف ، وأما من حيث اسقاطه فلا يكون هناك تسوية بينهما.

ومن هنا ظهر الفرق في الجواب الذي ذكره في المتن وبين ما ذكره في الحاشية حيث ان الظن في الاول مرجع في الاسقاط ، وفي الثاني مرجع في الاثبات ، وغاية ما يستدل بكون الظن مرجعا في مقام الاثبات كما أفاده في الحاشية هو انه لما كنا غير مهملين بعد انسداد باب العلم والعلمي ينتج وجود حجة كافية وبضميمة قبح ترجيح المرجوح يعين كون تلك الحجة هي الظن ولكن لا يخفى انه لا يتم إلا بناء على انحصار البيانية بالكاشفية لا باحتمال المهتم به إذ لا كاشفية له ، وأما بناء على ما هو التحقيق من عدم انحصار الكاشفية فيه ويكفي كون الاحتمال منجزا ومصححا للعقوبة كما في صورة اختبار الحائض وطلب الماء مقدار غلوة سهم أو سهمين لمن لم يجد الماء فان التكليف في هذين الموضوعين وامثالها لم يكن من الكاشفية بل من جهة الاحتمال المهتم به ، ودلنا على الاهتمام في مقامنا هو مقدمة عدم الاهمال فانا لما كنا غير مهملين

٢٨٧

نستكشف عدم رضاء المولى بفوات التكليف عند الاحتمال وبمجرد وجود الاحتمال يكون التكليف منجزا.

نعم اذا قام اجماع على ان التكليف يلزم اثباته لا بنحو الاحتمال والرجاء فلا بد للشارع من نصب حجة كاشفة عن ذلك التكليف ولكن أنى لنا باثبات ذاك الاجماع. ويمكن دعوى اجماع غير هذا الاجماع بأن الاحتمال الذي هو في مقامنا ليس مثل الاحتمال الذي هو في أطراف الشبهة المحصورة الذي لا ينجز إلا بالعلم ولا يتنجز بالاحتمال بل في مقامنا يتنجز بالحجة الكاشفة وبالاحتمال فدعوى قيام الاجماع على كون التكليف لا يتنجز في مقامنا إلا بالكاشف ضعيفة جدا.

ومما ذكرنا ظهر ان ما ذكره في الحاشية على خلاف المختار ثم انه لو أغمضنا عن المختار فهو أيضا فيه نظر لانه إن كان مبنى الاعتراض هو أن العلم الاجمالي علة تامة فلا يخلو الحال من أحد أمرين :

أما امتناع تحقق الظن بالترخيص ، فلان المتحقق هو القطع بالترخيص دون الظن ، بيان ذلك أن العلم الاجمالي اما ان يكون منحلا أولا فعلى الاول كيف يعقل مجيء الترخيص مع كون العلم الاجمالي غير منحل ، وعلى الثاني وهو كون العلم الاجمالي منحلا فنقطع بالترخيص.

فدعوى كون الظن بالترخيص يرجع الى جعل حجة كافية ممنوعة على كل تقدير وان كان مبنى الاعتراض على كون العلم الاجمالي مقتضيا فيمكن مجىء الترخيص بقيام دليل شرعي عليه إلا أنه نمنع الملازمة بين الظن بالترخيص ووجود حجة كافية لا مكان انتفاء الحجة الشرعية مع تحققه فيجب الاحتياط

٢٨٨

فى جميع الأطراف ومراعاة التكليف في جميع موارد احتمالاته.

ودعوى ان الاجماع الظني الدال علي عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات يلازم الظن بجريان الاصول فيها فيلحق المشكوكات بالموهومات.

بيان ذلك ان الظن باعتبار الأصل العدمي الجاري فيها يوجب الالحاق بالموهومات لوحدة الأثر فان الظن في الفراغ والخروج عن العهدة يحصل من جريان الأصل وحينئذ لا يجب الاحتياط في الموهومات ، وذلك يكفي في حجية الظن بالطريق من دون حاجة الى تمامية المقدمات ، ولذا عدل الشيخ قدس‌سره عما في المتن الى ما ذكره في الحاشية بقوله : «مرجع الاجماع قطعيا كان أو ظنيا .... الخ»

كما ينسب ذلك الى بعض الأعاظم ممنوعة إذ ذلك لا يتم ما ذكره من لحوق المشكوكات بالموهومات من قيام الاجماع الظني إذ الظن باعتبار الأصل وإن كان يوجب الظن بالفراغ إلا ان احتمال العقاب باق لمنجزية العلم الاجمالي الموجب للاحتياط بل هو من موارد قاعدة دفع الضرر المحتمل.

ودعوى ان ذلك يجري في الموهومات ممنوعة إذ هي مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذا المشكوكات ان قلنا : بأن النتيجة حجية الظن ، وهكذا لو قلنا : بأن الظن بالطريق مثل الظن بالواقع ، والظاهر ان ما ذكره في الحاشية لم يكن بنحو العدول ، وانما هو جواب آخر إذ مجرد وجود الاجماع الدال على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات الملازم لجريان الأصل فيها لا يوجب الترخيص في المشكوكات ما لم تكن هناك حجة كافية بمقدار المعلوم بالاجمال إذ لو لم ينحل العلم الاجمالي انحلالا حقيقيا أو حكميا بالعلم التفصيلي

٢٨٩

لم يلزم جريان الأصل في بقية الأطراف بل يكشف نفس الاجماع على اجراء الأصول عن أن الشارع نصب الحجة الكافية وهي ليست إلا المظنون فحينئذ تنتج المقدمات الكشف للاجماع على حجية الظن لا الحكومة لكي يبحث عن تماميتها أو لزوم التبعيض ، ولذا يمكن أن يتوجه ايراد ما ذكره في الحاشية بأنه رجوع عن الحكومة الى الكشف على انك قد عرفت منع دعوى الاجماع على عدم وجوب الاحتياط واجراء الأصل الكاشف عن نصب الطريق بناء على كون العلم الاجمالي علة تامة للتنجز بالنسبة الى الموافقة القطعية الموجب لعدم جريان الأصل في بعض الأطراف إلا بعد العلم بنصب الطريق وذلك لا ينافي النصب الواقعي إذ القطع بنصب الشارع الطريق في بعض الأطراف يوجب جواز الترخيص شرعا وعقلا وجريان الأصل في الطرف الآخر ولو لم يكن في الواقع قد نصبه ومع عدم العلم لا يتحقق الترخيص في أطراف العلم ولا تجري الاصول في الأطراف ولو كان في الواقع طريق منصوب.

وبالجملة ان الانحلال والعلم بنصب الطريق في بعض الأطراف موجب للترخيص وجريان الأصل في الآخر فعليه لا يكون الاستكشاف والعلم بالنصب معلولا لجريان الأصل ، ومن هنا يعلم أن العلة لجريان الأصل العلم بالنصب لا النصب الواقعي. نعم بناء على كون العلم الاجمالي مقتضيا للتنجز لا مانع من جريان الأصل لعدم دلالته على جعل الشارع الظن حجة إذ يمكن أن يكون الترخيص وجريان الاصول لمنع المانع من الاقتضاء على انه لا معنى لتحقق الاجماع الظني بل ولا الاحتمالي وعلى تقدير تحققه لا بد وأن يكون مسبوقا باجماع آخر على نصب الطريق وكون الظن حجة من قبل الشارع ،

٢٩٠

فلذا يترتب لازمه وهو جريان الأصل (١). ثم انه يشكل على من استنتج

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان ما ذكره هو عين ما في الحاشية حيث جعل الاجماع على الرجوع في المشكوكات الى الاصول كاشفا عن وجود الحجة وليس في المقام إلا الظن فيستنتج من ذلك القول بالكشف ولذا اورد عليه المحقق النائيني (قده) بأنه عدل من الحكومة الى الكشف وذلك ينافى ما يذكره من ترتب آثار الحكومة ونتائجها. بيان ذلك ان مراتب الامتثال ثلاثة :

فتارة تكون على نحو الامتثال التفصيلي كالصلاة الى القبلة المعلومة واخرى يكون على نحو الامتثال الاجمالي كالصلاة الى اربع جهات.

وثالثة تكون على نحو الامتثال الظنى كما لو تعذرت الصلاة الى اربع جهات فمعه يتعين الامتثال الظنى ولو لم يحصل الظن لا بد من الامتثال الاحتمالى فحينئذ لو قلنا بأن عدم اهمال التكاليف مستند الى العلم الاجمالي. وقلنا :

بمنجزيته ، فالعقل يحكم بالاحتياط فمع تعذره لا بد من القول بالتبعيض إذ هو الواصل بنفسه.

ودعوى ان العقل يحكم بالظن فاسد حيث ان ذلك يحتاج الى جعل ومع وصوله الى مرحلة الامتثال ينتفي الجعل وان كان مستندا الى الاجماع والخروج عن الدين فلا بد من الاحتياط ومع تعذره نستكشف جعلا من الشارع وليس إلا الظن هذا كله لو قلنا : بأن بطلان الاحتياط لاجل الاجماع على عدم العمل بالموهومات فلا يخلو اما ان يكون لسانه بطلان الاحتياط في خصوص الموهومات فينتج التبعيض ، واما ان يكون لسانه عدم اكتفاء الشارع بالامتثال الاحتمالي فيستكشف منه جعل شرعي وليس لنا إلا الظن.

٢٩١

من لزوم التبعيض العمل بالاحتياط في خصوص الظن.

__________________

فتحصل مما ذكرناه ان القول بالكشف ، إما ان يستند فيه عدم الاهمال الى الخروج عن الدين او الاجماع. وقلنا : بان بطلان الاحتياط من جهة الاختلال او من جهة العسر والحرج فلازم ذلك هو القول بحجية الظن شرعا واما ان يستند عدم الاهمال الى الاجماع والخروج عن الدين وقلنا : ان بطلان الاحتياط من جهة الاجماع بأن يكون لسانه عدم الرضا بالتكليف الاحتمالي فلا بد لنا من القول بالكشف ، واما الحكومة فطريقها منحصر بأن يستند عدم الاهمال الى العلم الاجمالي وان الاحتياط باطل لاحد الوجوه المذكورة فلا بد من القول بالتبعيض. لما عرفت ان مرجعه الى مرحله الامتثال ومن الواضح ان هذه المرحلة ليس للشارع فيها جعل.

فتحصل مما ذكرناه ان مقدمات الانسداد على تقدير تسليمها لا تنتج الكشف بل ولا الحكومة إلّا ان ترجع الى مرحلة الامتثال كما لو كان التكليف واحدا وقد تعذر فيه العلم التفصيلي والاجمالى وان تعذر فالامتثال الظنى ففي هذه المرتبة اعنى مرتبة الاسقاط ليس للشارع فيها بيان حجة وطريق ، والمقام ليس من ذاك القبيل إذ التكاليف لما كانت متعددة ومرددة بين المشكوكات والمظنونات والموهومات ومرجع ذلك إلى ان التكاليف بأي مرتبة ثابتة ، فبدليل الانسداد يثبت التكليف فمع رجوع الامر الى هذه الجهة ليس للعقل الحكم بأن الظن هو الحجة. ولو سلمنا وقلنا بأن التكاليف كلها بمنزلة التكليف الوحداني نقطع بتحققها ويكون الشك راجعا الى مقام الفراغ عنها فيكون المقام مقام السقوط فمع تعذر العلم التفصيلي والاجمالي تصل الى مرحلة حكم العقل بحجية الظن ولكن

٢٩٢

بيان ذلك ان المعلوم بالاجمال لما كان مرددا بين القليل والكثير فتجرى البراءة من الزائد فيكون المعلوم بالاجمال المتيقن مرددا بين الدوائر الثلاثة فتكون دائرة الشك ودائرة الظن بالنسبة الى انطباق المعلوم بالاجمال عليها على السوية فحينئذ ينبغي التخيير بين الدوائر لا تعيين العمل بالظن. نعم لو لم تجر البراءة كان اللازم تعيين العمل في خصوص الظن لأن فائدة جريان البراءة التوسعة ، والتوسعة هنا موجودة إذ لو لا البراءة لكان احتمال التكليف الزائد لازم المراعاة في كل من الدوائر لو لا مزية رجحان للظن وبما أن الظن هو الأقرب لذا حكم العقل بالأخذ به وطرح الشك والوهم ومن هنا ظهر لك الفرق بين جريان البراءة وعدمها لا يقال على تقدير جريان البراءة

__________________

قيام الاجماع ظنيا او قطعيا على عدم ارادة الشارع الامتثال الاحتمالي ولازم ذلك ان يجعل الشارع حجة وليس إلا الظن فحينئذ ينتج من ذلك الكشف لا الحكومة فمقدمات الانسداد يستحيل ان تنتج الحكومة وعلى تقدير تسليم هذا المحال بالاجماع نقول بالكشف ، فالحكومة محال في محال ولذا اوردنا على القول بالحكومة بما حاصله ان الامر لما رجع الى مرحلة الامتثال لفرضه كالتكليف الوجداني ، وبعد تعذر العلم التفصيلى او الاجمالى فيتعين الامتثال الظني لا العمل بالظن ، ومعنى الامتثال الظنى هو ان يأتى الى ان يحصل الفراغ الظنى قلا ينتج الحكومة بالعمل بالظن بل بالفراغ الظنى وكم فرق بينهما ولكن الانصاف ان ما ذكر من الاشكال لا يرد بعد ان دل الدليل على بطلان العمل بالاحتياط بأدلة الحرج والعسر والاجماع على ترك الموهومات والحاق المشكوكات به فلا يبقى مجال لحكومة العقل بالعمل الظن فينحصر الاشكال بما ذكرناه سابقا.

٢٩٣

من الزائد لا يكون العلم الاجمالي بالنسبة الى دائرة الشك والظن على السوية كيف والظن أقرب من الشك ومعه لا يكون انطباق المعلوم اجمالا على كل واحد منهما بالسوية لأنا نقول احتمال انطباق العلم على المظنونات ليس إلا كانطباقه على المشكوكات فان في المظنونات جهتين بحسب اللحاظ ، فبلحاظ كونه تكليفا واقعيا متعلق لاحتمال راجح على خلافه وبلحاظ كونه هو ذاك المعلوم اجمالا فهو مساوق لاحتمال خلافه وان اشتبه عليك الحال فقسه الى صورة كون أحد أطراف العلم الاجمالى علما تفصيلي كما لو علمت تفصيلا بأن أحد الإناءين نجس مع كونه أحد أطراف العلم الاجمالي فهذا الاناء من حيث كونه نجسا معلوم بالتفصيل ومن حيث كونه قد انطبق عليه المعلوم بالاجمال يكون هو والطرف الآخر الذي هو المشكوك بحسب الانطباق عليه على السوية فاذا تصورت ذلك في العلم التفصيلي فهو جار بطريق أولى فيما لو فرض كون أحد الأطراف ظنا تفصيليا فصح من جهة كونه مظنونا تارة ومن جهة كونه مشكوكا أخرى فمن جهة كون التكليف واقعا مظنونا ومن جهة كونه منطبقا عليه العلم الاجمالي مشكوكا فجعل نتيجة التبعيض خصوص العمل بالظن لا وجه له بل كما يكون العمل على وفق الظن يصح العمل على وفق الشك ويتخير بينهما.

ودعوى ان الظن هو الاقرب فينبغي أخذه ممنوعة إذ ملاك الاحتياط لم يكن هو التكليف الواقعي كيف ما كان وانما هو فيما يظن بانطباق التكليف الاجمالي إذ هم العقل إنما هو الخروج عن عهدة ما تنجز عليه من التكليف لا الخروج عن عهدة مطلق التكاليف الواقعية ولو لم تكن منجزة.

٢٩٤

نعم لو قلنا : بسقوط العلم الاجمالي من جهة الحرج أو العسر المقارن للعلم الاجمالي يتعين تقرير الحكومة إذ بعد تمامية المقدمات يكون العمل بالظن أقرب الى الواقع من الشك والوهم فيحكم بلزوم الاخذ به والرجوع فيما عداه الى البراءة إذ المقام يرجع الى حصر التكليف في دائرة الظن لكى يرجع الى البراءة فيما عداه وليس المقام من الانحصار بالظن بالفراغ كى يحتاج الى الظن بحصر التكليف في الظنون.

نعم يتم ذلك بناء على مسلك التبعيض الراجع الى تحصيل الظن في مقام الفراغ والاسقاط.

فدعوى اعتبار ذلك على الحكومة لا وجه له إذ يكون من قبيل الخلط بين الحكومتين.

وبالجملة الاخذ بالظن من باب الاحتياط لم يكن مثبتا لحجية الظن وانما هو من جهة انطباق ما هو معلوم بالاجمال عليه وهذا المعنى ينطبق على الشك إذ من هذه الجهة المشكوك والمظنون على حد سواء.

(فان قلت) : لم خصصت الشك والظن بالاحتياط وتركت الوهم ولم نجعله في عرضهما لكي يكون التخيير بين الدوائر الثلاثة مع اشتراك الجميع في انطباق ما هو معلوم بالاجمال.

(قلت) : فرق بين تلك الدائرتين وبين دائرة الموهومات فان في الدائرتين بالنسبة الى انطباق المعلوم بالاجمال عليهما على حد سواء من جهة كون الانطباق مشكوكا وهو مشترك بينهما لا تفاوت بينهما. وأما بالنسبة الى الموهومات فليس من قبيل ذلك بل انطباقه على دائرة الموهومات موهوم

٢٩٥

ومرجوح بالنسبة الى تلك الدائرتين والسر في ذلك ان احتمال الانطباق لو كان يساوي تلك الدائرتين لكان احتمال التكليف في الموهومات شكيا لا احتمالا وهميا.

(إن قلت) : فكما ان الظن في دائرة المظنونات متعلق بالتكليف الواقعي ولا ينافي كون انطباق العلم عليه مشكوكا كذلك الوهم في دائرة الموهومات متعلق بالتكليف ولا ينافي كونه مشكوكا من حيث انطباق العلم عليه ، فعليه ينبغي التخيير بين الدوائر الثلاثة من غير فرق بينهما من حيث انطباق المعلوم بالاجمال على كل واحد منها إذ الانطباق على كل واحد يكون مشكوكا.

(قلت) : فرق بينهما إذ الظن متعلق بالتكليف ولا ينافي الشك في انطباق العلم عليه بخلاف الظن فان الوهم بالتكليف يوجب الوهم بالانطباق إذ لو شك في انطباق ما هو معلوم بالاجمال على دائرة الموهومات لما كان موهوما وإن اشتبه عليك الحال فاستوضحه في مثال الحيوان والانسان ، فان التكليف الواقعي لما كان يحتمل الشمول للمعلوم بالاجمال ولغيره افرضه حيوانا والمعلوم بالاجمال لما كان منحصرا افرضه انسانا وافرض مراتب بالنسبة الى الحيوان كما فرضته في التكليف وهم بالحيوان وشك وظن به ، فلو احتملت موهوما وجود الحيوان في الدار امتنع عقلا أن يكون لك حالة شك في الانسان الذي هو فرد الحيوان اذ الشك في تحقق الانسان يوجب الشك في تحقق الحيوان فلا يعقل أن يجتمع الشك مع كونه احتمالا وهميا إذ الانسان أخص من الحيوان ، فالشك فيه يوجب الشك في الحيوان وهذا بخلاف الظن بوجود

٢٩٦

الحيوان فانه يمكن أن يكون الحيوان مظنونا مع أنه قد شكك في تحقق الانسان لأن الظن بالأعم لا يوجب الظن بالأخص بل يجتمع مع الشك في الأخص بخلاف الوهم في الأعم فانه يوجب الوهم في الأخص فاذا عرفت في مثال الحيوان والانسان.

فنقول : ان في مقامنا التكليف أعم مما علم إجمالا ثم تعلق الظن أو الوهم بالتكليف الواقعي وتعلق الشك بالمعلوم بالاجمال فترى أنه لا يجتمع كون التكليف موهوما مع كون العلم مشكوك الانطباق إذ الشك فيه يوجب الشك بالتكليف لكونه أخص منه بخلاف الظن فافهم وتأمل حتى لا يشتبه عليك الحال.

ثم لا يخفى أن الاستاذ في الكفاية سلك في تبعيض الاحتياط طريقا غير ما سلكه شيخنا الانصاري (قده) فالذي ينبغي أولا هو الأخذ بمقتضى الاصول المثبتة شرعية كانت أم عقلية والاصول الشرعية المثبتة للتكليف في موارد الأخبار تكون ساقطة عن الاعتبار لكونها محكومة بتلك الأخبار إذ الأخبار وإن لم تكن معلومة الاعتبار كما هو فرض انسداد باب العلم والعلمي إلا انها لم تخل من العلم الاجمالي بصدور بعضها مثلا نعلم بصدور مائة في هذه الاخبار التي بأيدينا فحينئذ تكون تلك الاصول الشرعية محكومة لتلك الاخبار ..

ودعوى انه لا تكون محكومة إلا بعد اعتبارها ولا يثبت اعتبارها إلا بعد تميزها ولا ينافى كون الاخذ بجميعها من باب الاحتياط للفرق بين كون الاخذ من باب الاحتياط وبين الاخذ من باب كونها حجة كما لا يخفى ممنوعة بأن العلم بصدور بعضها يوجب طرح الاصول ولو لم يتميز ذلك البعض إذ

٢٩٧

حجية الاصول في مورد عدم وجود دليل لفظي ومع الشك في وجوده يوجب الشك في حجيتها ، ومع الشك في الحجية يحكم العقل بعدمها على انه لم تكن حجة من جهة عدم تمييز الحجة بغير الحجة محل منع.

وأما الاصول العقلية مثل حكم العقل بالاشتغال فيما إذا دار الأمر بين المتباينين وكحكمه بالبراءة فيما إذا دار بين الأقل والأكثر الارتباطيين فيشكل القول بتقديمها على الظن لو كان هناك عسر من الجمع بين مقتضى الاصول ومظنونات التكليف إذ عليه ينبغي التخيير لا تعين الأخذ بالاصول وإلا لزم التبعيض في الاصول النافية فما ذكره في الكفاية من أنه يجب العمل على الاصول المثبتة شرعا أو عقلا والاحتياط في الاصول النافية وإن لزم العسر محل نظر للزوم رفع اليد بمقدار منها الموجب لرفع العسر كما لا يخفى.

هذا كله إذا كان المراد بالعسر والحرج المخلين بالنظام فان الاستاذ في الكفاية قد تنظر في حكومة قاعدتي العسر والحرج على وجوب الاحتياط بل منعه نظرا الى أن المنفي حقيقة هو الموضوع ولكن بلسان نفي الحكم فلا تكون حاكمة على الاحتياط.

نعم لو قلنا : ان المنفي هو عدم جعل حكم ينشأ منه الضرر فيتم ما ذكره من الحكومة وربما يتوهم أن تخصيص النفي بالحكم الشرعي دون العقلي من جهة أن الشارع إنما له التصرف في أحكامه لا في الاحكام العقلية مثل ايجاب الاحتياط ولكنه محل المنع إذ للشارع تصرف في الأحكام العقلية الناشئة من الحكم الشرعي برفع منشئه ولو سلم.

فنقول : ان الحكم الشرعي لما كان مطلقا يلازم العسر إذ مقتضى

٢٩٨

إطلاقه العمل به مطلقا وهو يلازم العسر ، فلذا يقتضي التقييد بمقدار يرتفع العسر وذلك إنما يكون تقييده بحال ترك الآخر ولازم ذلك الامتثال التخييري كما لا يخفى فافهم وتأمل في المقام فانه من مزال الأقدام.

تنبيهات الانسداد

وينبغي التنبيه على امور :

(الاول) : ان نتيجة دليل الانسداد هل هو الظن بالواقع أو الظن بالطريق أو كليهما.

الظاهر الاول لأن الواقع إنما يكون منجزا في حال الانسداد على أحد الوجوه والمسالك المذكورة ، فيجب مراعاة الاحتياط ، فمع العسر والحرج يكون اللازم هو الاخذ بأقرب الطرق مع فرض أن في المقام الاقرب هو الظن بالواقع فلا يكون المتبع الظن بالطريق إلا إذا كان هناك علم اجمالي بنصب بعض الطرق التي بأيدينا فيكون المتعين حينئذ الاخذ بالظن المتعلق بالطريق ، وكيف كان فالقول بالتخيير بين الاخذ بالظن بالواقع وبين الاخذ بالطريق لا وجه له.

بل قد عرفت انه في خصوص صورة عدم وجود العلم الاجمالي بالطريق وتحقق العلم الاجمالي بالواقع يتعين الاخذ بالظن بالواقع وفي صورة وجود العلم الاجمالي بالطرق يتعين الاخذ بالظن بالطريق.

(إن قلت) : الظن كالقطع في حالة الانفتاح فكما ان القطع في حالة الانفتاح حجة مطلقة أي سواء تعلق بالواقع أم بالطريق فكذا الظن في حال الانسداد.

٢٩٩

(قلت) : فرق بين القطع في حال الانفتاح والظن في حال الانسداد فالقطع في حال الانفتاح قد ثبتت حجيته بالعقل. والعقل لا يرى فرقا بين القطع المتعلق بالواقع وبين القطع المتعلق بالطريق بخلاف الظن فان اعتباره تابع لتنجز المظنون فان كان المتنجز هو الواقع كان المتعين خاصة وان كان المتنجز هو الواقع المدلول بالطريق كان المتعين ذلك خاصة ، فالتخيير بينهما لا وجه له بل على ما عرفت يتعين الاخذ بالظن بالواقع فيما لو حصل علم اجمالي بالواقع والاخذ بالظن بالطريق فيما لو حصل علم اجمالي بالطرق.

(إن قلت) : ليس هم العقل إلا الأمن من العقوبة على تقدير المخالفة وهو كما يحصل من الظن بالواقع يحصل من الظن بالطريق إذ الظن بالواقع أيضا ظن بالمؤمن.

(قلت) : الذي يهتم به العقل حصول الأمن من الشيء المتنجز وليس هنا إلا التكاليف الواقعية المنجزة من دون دخل للطرق على تقدير عدم وجود علم اجمالي لصدور بعض الطرق فيتعين العمل بالظن بالواقع ، وعلى الواقع المؤدي بالطريق على تقدير وجود العلم بالطرق.

وبالجملة العقل إنما يناط بما هو المتنجز ومع فرض عدم وجود علم اجمالي بالطرق فليس المتنجز إلا الواقع لا المؤدى بالطريق ، فالطريق مع فرض عدم العلم به ليس بمؤمن إذ التأمين من لوازم الوجود الواقعي ولم يثبت اعتبارها أي الطرق ، فالقول بالتخيير بين الظن بالواقع والظن بالطريق.

فقد عرفت انه لا وجه له وغاية ما يقال في توجيهه ان في قيام الظن على تحريم صلاة الجمعة مثلا في زمن الغيبة ، ومع ذلك تقوم امارة مظنونة الاعتبار

٣٠٠